اللهم صل على محمد وأل محمد وعجل فرجه
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
أمهات يقلدن الأصوات لإنعاش حنين الأطفال قبل النوم
نوم هانئ
لكل مرحلة من مراحل نمو الأطفال طقوس معينة وطرق متعددة للتربية و يعاني الوالدان كثيرا في تربية أطفالهما حيث إن الطفل يمر خلال مراحل نموه النفسي و التكويني بالعديد من المتغيرات و الطباع المتقلبة التي لا تعجب الأهل أحيانا وتزداد معاناتهم عندما تفشل وسائلهم المتنوعة في إثناء الطفل عن طبع غير مقبول أو إقناعه بسلوك ما أو فكرة معينة ويبقى السؤال المحير يؤرق ذهن الوالدين وهو كيف نوجّه ونقوم سلوك و تفكير أطفالنا وفي الحقيقة أن هذا السؤال إجابته طويلة و متفرعة لأن طرق ووسائل تربية وتوجيه سلوك و نفسية الطفل له أساليب كثيرة ووسائل متنوعة ولكن نحن نود التركيز على وسيلة بذاتها قد يستهين بها الكثيرون و يغفلون عنها مع أنه قد ثبت فعليا و علميا أنها الأقوى فاعلية وتأثيرا بنفس الطفل بل إن أثرها يتعدى مرحلة الطفولة ويبقى مؤثرا وخالدا في الذاكرة حتى يكبر الطفل و يبلغ مراحل متقدمة من عمره بل إنه قد ينقل هذا الأثر إلى أبنائه هذه الوسيلة هي حكاية او «حدوتة» قبل النوم و التي يكون فيها الطفل في أهدأ حالته مسترخيا و صافي الذهن ولأن الطفل بصفة عامة يعشق الحكايات والإثارة فهو يطوع كل حواسه ويشحذ كل أحاسيسه وهممه للاستماع و الاستمتاع بهذه الحكاية التي تلقى تأثيرها بداخله حتى لو كانت من وحي الخيال و ربما يرى البعض فيما نقوله نوعا من المبالغة و لا يكترث و لكن شيئا واحد نرد به على ما يدور في الأذهان من تساؤلات سلبية أو إيجابية هو أن أسلوب القصص والحكاية هو أسلوب هام ومن المعروف حتى لدى الخطباء والمدربين المحترفين أن أسلوب الحكاية وضرب الأمثال والاستدلال هو الأفضل في إيصال الفكرة والمعلومة وتقريب المعنى للأذهان فضلا عن تأثير و فاعلية اعتماد أسلوب الحكايات كإحدى أهم طرق التربية والتوجيه مع الأطفال.
معالجة
وأوضحت أخصائية علم الاجتماع و التربية «فتحية صالح» أن الحكاية خاصة «حدوتة قبل» النوم تلعب دورا رائدا في معالجة العديد من الاضطرابات السلوكية و النفسية لدى الأطفال بل إنها تسهم في تربيتهم و توجيههم و تعليمهم المثل و القيم ومكارم الأخلاق ويعزز كل ذلك نوعية القصص التي تحكيها الأم والطريقة التي تتبعها في سرد الحكاية وتصوير أحداثها وهذا يحتاج إلى عدة أمور أولها أن تكون الأم واعية لقيمة وأهمية القصة و مدى تأثيرها على طفلها و أن تنتقي القصة بعناية وبما يخدم أهدافها التربوية وتتفاعل مع الحكاية وتستعين بنبرات الصوت في تصوير الأحداث بشكل ينقل الطفل لعالم الحكاية «كتقليد صوت بطل القصة في انفعالاته أو تقليد أصوات بعض الحيوانات أن حوتها القصة» ولانستهين مطلقا بتأثير نبرة الصوت بالنفس البشرية فقد ثبت علميا أن الصوت أبلغ و أقوى تأثيرا بالنفس من النظر و هذا ما يفسر قدرة أشخاص بعينهم على التأثير و الإقناع و جذب الآخرين لهم عندما يتحدثون و لو كان كلامهم عن أبسط الأمور الحياتية و لكن تميزهم ببحة صوت معينة يشوبها الحنان أو الإثارة في الغالب هي التي تجذبنا نحوهم وتأثير الصوت هذا هو الذي جعل الناس ينسون الوقت عندما يحاضرهم الداعية عبدالحميد كشك الذي كان كفيف البصر و الذي اشتهر بقوة تأثير صوته و حسن الإلقاء و الخطابة و ترى بعض الأمهات صعوبة في انتقاء القصة المناسبة للهدف الذي تريد تحقيقه من ورائها و لكن هذا يتحقق بأمرين أولهما مداومة البحث و الاطلاع على كل جديد بقصص الأطفال و الثاني ابتكار أفكار و تأليف قصص من الأم ذاتها وهذا ليس صعبا مع المحاولة .
تربوي وتضيف صالح أن أسلوب الحكايات أصبح معتمدا في عدد من الدول في التربية لدرجة تحويله لفن تربوي قائم بذاته يتم تدريسه في مناهج التربية بالجامعات والكليات وحتى بالدورات التأهيلية للأمهات و الحوامل وهم ينصحون باستخدام أسلوب الحكايات منذ الأشهر الأولى للطفل بل إن البعض ذهب لضرورة تحدث المرأة الحامل مع طفلها وهو ببطنها على اعتبار أن الصوت هو أكثر ما يجذب الطفل نحو أمه و يقوي علاقته بها و خير دليل على تأثره بصوت أمه شعوره بالارتياح و الكف عن البكاء و ربما الخلود للنوم بمجرد أن تبدأ في الغناء له.و تذهب إلى أن الحكايات هي جزء من الإعلام الذي سيلعب دورا بارزا في تربية و تكوين أبنائنا فالأفضل أن نبدأ به نحن فليس هناك ما هو أقوى من الإعلام الذي يعد سلاحا فعالا في السياسة والاقتصاد وكافة العلوم وأن أفضل و أنسب الأوقات للحكايات هو قبل النوم لأن الطفل في هذه اللحظات يكون في أهدأ و أصفى حالاته فهو في حالة من الاسترخاء و صفاء الذهن تدفعه للتركيز بكل حواسه و جوارحه مع أمه و هي تحكي له و تحذر وتنهى الأمهات تماما عن اللجوء لقصص الرعب و التخويف بالقصص لأن هذا له نتائج سلبية و عكسية غير مستحبة إطلاقا .وتوجه إلى أن أسلوب الحكايات لا تقتصر فائدته و دوره في التربية و التوجيه للأم فقط بل إنها تتعداها للمدارس أيضا و هذا ما لا يفقهه أغلب المعلمين و المعلمات لدينا .
فاعلية
فيما تؤكد «صالح» أن فاعلية الحكايات في معالجة سلوكيات الأطفال من خلال عدد من الحالات التي مرت عليها بالفعل و لعبت الحكاية فيها دور الطبيب المعالج و من ذلك حكاية أم سعد التي عانت مع طفلها الأمرين لإقناعه بالذهاب للمدرسة التي كان يرفضها رفضا باتا مما حدا بها لاستخدام الكثير من السبل التي تأرجحت بين الثواب و العقاب و كان آخرها الطبيب النفسي ولكن كل ذلك لم يجد في حين كان للحكاية التي روتها صديقة أم سعد لطفلها التأثير السحري بنفس سعد الذي بدأ بالفعل بالذهاب و الانتظام بالمدرسة رفض و تروى «صالح» قصة أحمد الذي كان يرفض كل أصناف الطعام منذ صغره و يعتمد طعاما بعينه كغذاء له مما أضر بصحته وبدأ يؤثر على نموه الجسمي و لكن الحكاية قادته للمحاولة و التذوق و التجريب لأكثر من صنف من الطعام و من ثم أصبح أحمد اليوم يتناول أصنافا متنوعة ومختلفة من الطعام.
اهتمام ودعت «صالح» الأمهات إلى ضرورة الاهتمام و التركيز على قصص الأطفال خاصة و أن هناك حاجة ماسة إلى ذلك مع وجود كل هذا التجاهل و القصور في الكتابة للطفل ولايقل مسرح الطفل تأثيرا عن الحكايات على تربيته و شخصيته و لهذا طالبت الأمهات بالاهتمام بمسرح الطفل و تفعيله بالفترة القادمة خاصة من قبل الفرق المسرحية النسائية التي بدأت تظهر في الآونة الأخيرة.